تؤدي بعض التطورات المجتمعية في بعض الأحيان إلى تغييرات مجتمعية في المناطق التي لم تكن متوقعة فيها. ومن الأمثلة الحية، التغيير في مجال الجراحة التجميلية في الدول العربية، والذي وصل في السنوات الأخيرة إلى ذروة لم يكن العقل يتخيلها من قبل.
قبل الخوض في طبيعة وأسباب هذه التغييرات، نحتاج إلى الرجوع إلى البيانات التي تؤكد أن سوق الجراحة التجميلية يدر مئات الملايين من الدولارات سنويًا. يتم إجراء الآلاف من العمليات التجميلية كل عام، حيث يخضع كل شخص لجراحة تجميلية بمعدل يزيد عن 4000 دولار.
في سلسلة من الاستطلاعات، قال حوالي 4٪ من المشاركين أنهم أجروا جراحة تجميلية أو علاجًا، بينما قال حوالي 10٪ إنهم يرغبون في إجراء جراحة تجميلية في مرحلة ما من حياتهم.
بالمناسبة، لا يزال هناك فرق واضح بين النساء والرجال في هذا المجال، لأن نسبة النساء في جميع الأشخاص الذين يخضعون لعمليات التجميل كانت حوالي تسعين بالمائة. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع الزيادة المطردة في عدد الرجال الذين يخضعون لعمليات التجميل. بالإضافة إلى ذلك، يعترف العديد من الرجال اليوم بأنهم يريدون ويريدون الخضوع لجراحة تجميلية.
ما هو التغيير الذي حدث ومن أين أتى
بدأ التغيير في مسارين متوازيين وغير مرتبطين خلال العقدين الماضيين. الأول هو عملية “الخصخصة” التي شملت الطب وتمثلت في إنشاء عيادات خاصة حيث يمكن إجراء عمليات التجميل في هذه العيادات، رغم أن هذه العيادات تتقاضى مبالغ طائلة لإجراء العمليات هناك. من ناحية أخرى، فإن هذه العيادات مزودة بأطباء مؤهلين، وعادة ما تكون المعدات أكثر تقدمًا، وتوفر ظروفًا أفضل من المستشفيات العامة، ناهيك عن أن وقت انتظارهم أقصر بكثير.
أما المسار الثاني فهو عملية تحرير المجتمع من القيود التقليدية والاجتماعية، خاصة بعد دخول المزيد من شركات وشبكات الأزياء الأجنبية، وساد الانفتاح الاجتماعي الذي حيد الكثير من المحافظة التي كانت في المنطقة منذ سنوات.
يكفي أن نقول إن ما لا يقل عن 50٪ من العمليات التجميلية التي يتم إجراؤها اليوم هي عمليات تكبير للثدي لفهم طبيعة هذا التغيير الاجتماعي.
بالإضافة إلى المسارين المذكورين، يجب الإشارة إلى تطوير وتوسيع المعرفة المتخصصة في هذا المجال. أصبحت الجراحة التجميلية اليوم أسهل مما كانت عليه من قبل. على الرغم من وجود العمليات الجراحية التجميلية التي لا تزال معقدة بعض الشيء – بما في ذلك شد الوجه – فإن العمليات الجراحية الأخرى مثل جراحات الثدي وجراحات الأنف وشفط الدهون أصبحت أقصر وأسهل (يوجد اليوم العديد من الأشخاص الذين يفضلون الحقن بمواد أخرى). شد الوجه بدلاً من عملية الشد المعقدة والمكلفة).
يمكن للمريض العودة إلى حياته الطبيعية في غضون فترة زمنية قصيرة بعد العملية، حيث لا يحتاج إلى فترة نقاهة وتعافي طويلة. كما أنه يحصل على نتائج أفضل وأسرع اليوم. كما تجدر الإشارة اليوم إلى وجود العديد من العمليات التجميلية التي لم يتم إجراؤها في الماضي مثل شد البطن وشد الذراعين وشد الرقبة وغيرها. يمكننا أن نقول أن الجراحة التجميلية متاحة الآن لمن يرغب في ذلك وفي أي جزء من جسده، وهي تمنحه مساحة كبيرة لتغيير شكل ومواصفات هذا العضو حسب رغبته.
في نهاية المقال، تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من ارتفاع مستوى وعدد العمليات، إلا أن هناك في الواقع العديد من حالات الإهمال التي تسبب ضررًا لا يُعقل لمن يخضع لهذه العمليات، وهناك أيضًا بعض الحالات الشاذة التي تنتهي بوفاة الشخص أثناء العملية.
لا يزال الكثير من الناس يعتقدون أن هذه العمليات الجراحية محفوفة بالمخاطر، وعلى الرغم من التقدم والانفتاح الاجتماعي، لا يزال معظم الناس يعتقدون أنهم لا يحتاجون حتى إلى هذا النوع من الجراحة التجميلية.